يهدف هذا المقال إلى مساعدة المعلقين الصوتيين على التغلب على المشكلة التي يشكو منه الكثيرون، ألا وهي مشكلة طقطقات الفم في تسجيلات التعليق الصوتي.
يظن الناس أن طقطقات الفم مثل وجه الإنسان -عليك أن تقبلها كما هي – لكن هذا ليس حقّاً!
الذين عندهم مشكلات عضوية تسبب ضوضاء الفم قليلون جداً. أما الأغلبية العظمى فالسبب عندهم أنهم يخطئون الأداء!
تستطيع حذف طقطقات الفم من تسجيلاتك الصوتية بعد التسجيل بيسر إذا عرفتَ الطريقة، لكن هذا يستهلك وقتاً، وهو أمر مزعج جداً.
لذا سأريك كيف تتخلص من طقطقات الفم إلى الأبد.
ما هي طقطقات الفم؟
طقطقات الفم تُسمَّى عادة ضوضاء الفم المطقطق، أو ضوضاء الفم الجاف، أو ضوضاء الفم، وتحدث لعدة أسباب، وهي مُنَفِّرَةٌ جداً.
طقطقة الفم الشديدة قد تمنع قبولك في جلسات تجارب الأداء؛ بل وقد تمنع إعادة الاستعانة بك في أعمال جديدة.
’’أنا نفسي أعدتُ تسجيل جلسة تسجيل طولها خمس ساعات كاملة مع معلق صوتي آخر، لأن المعلقة الصوتية الأولى كان صوتها مزعجًا جدًّا، ولقد كان تحرير صوتها أغلى من تعيين معلق صوتي بديل. هذا مثال على أثر طقطقات الفم المدمر. ‘‘
صوت طقطقات الفم يشبه نقرات أو فرقعات صغيرة تكون أثناء الكلام أو بعده.
كل الناس تقريباً يُحدثون شيئاً من ضوضاء الفم عند التكلم، وهي تحدث بسبب فقَّاعات من اللعاب تَتَكَوَّن بين اللسان والأسنان، ثم تنفجر الفقَّاعات أثناء الكلام.
عادة حين نكلم الناس لا نسمع طقطقات أفواههم، إلا إن كانت عالية فوق المعتاد كثيرًا، أو كان جسمهم شديد الجفاف.
تميل آذاننا إلى ترشيح ما نسمع من الطقطقات لأنها تبلغ آذاننا في هيئة ضوضاء بلا قيمة.
الانتباه إلى الجفاف
عادة، يكون مدخنو 200 سيجارة في اليوم أكثر طقطقة من غيرهم، ومثلهم من يشربون الكثير من القهوة صباحاً.
أكرر، سبب كل هذا الجفاف؛ السجائر والكافين كلاهما مدران بول، أي أنهما يمتصان الماء من جسمك!
الواقع أن سبب كون الجفاف وراء الطقطقات أن لعابك أقل ماءًا- وفقر الماء في الفم يجعل الفم جافًّا لزجًا تتلاصق أجزاؤه إذا تلامست- واللعاب اللزج يسبب طقطقات الأسنان.
وهذا أثر الجفاف؛ لكن الجفاف ليس كل شيء؛ فالمفارقة هي:
أن الترطيب المفرط قد يسبب الكثير من الطقطقات أيضًا!
يا للحيرة!
الأمر صحيح بعض الشيء؛ لكنه ليس عبثاً كما يبدو. الأمر أن المعلقين الصوتيين الذين يجدون جفافاً في أجسامهم ينزعون إلى تَجَرُّعِ ما استطاعوا من الماء في مدة قصيرة.
وزيادة الماء في الفم لها أثر إحداث ضوضاء الفم عند حركة اللسان الذي يُحدثه الفم الجاف نفسه.
إذا كنا لا نسمع طقطقات الفم عادة في الكلام، فلم نسمعها في التسجيلات؟
الجواب؟
تبرز طقطقات الفم نتيجة لعملية التسجيل ومعالجة ما بعد التسجيل.
تُسجَّل الإشارة الصوتية ثم تُنفذ فيها عملية ضغط ما بعد الإنتاج.
’’ما يفعله الضغط هو تقليل النسبة بين أعلى أجزاء موجة الكلام وأخفض أجزائها. لك أن تتخيل الضغط كوضع شكل الموجة الصوتية تحت مِكبس وعصر أعلى أجزائها حتى تقترب من أخفض أجزائها.‘‘
ولهذا أثر نهائي مهم: يصير الصوت العام أخفض، فعليك أن ترفعه حتى يكون مسموعًا كما كان حين أديته أمام الميكروفون.
(عادة يُفعل هذا برفع الصوت أو المعادلة (normalization))
من المهم جداً أن نفهم هنا أنه لا بد من ضغط جميع تسجيلات الصوت البشري ؛ وإلا فلن نستطيع مزجها مع أصوات أخرى.
لذا فقبل أن تتساءلوا، أجيبكم: لا، لا يمكن تَخَطِّيْ خطوة الضغط!
هل ارتبكت؟ حسنًا، فلنستعمل الصور للمساعدة!
أُنظُرْ إلى هذه الصورة لشكل الموجة الصوتية لكلام فيه طقطقة (المؤشرة بالأبيض) قبل تطبيق الضغط عليها:
الآنَ انْظُرْ إليها بعد الضغط، ما زالت الطقطقة بنفس الحجم؛ لكن بقية شكل الموجة الصوتية صار أصغر.
وأخيراً، فلنُعِد شكل الموجة كُلَّهُ إلى نفس المستوى الصوتي:
تستطيع أن ترى بوضوح أن طقطقات الفم الآن أعلى كثيرًا مما كانت من قبل، نسبة إلى التسجيل الأصلي.
فلم يقتصر أثر ما فعلنا بالضغط على رفع أرضية الضوضاء؛ بل امتد إلى رفع صوت أصوات الفم المزعجة.
خيانة!
إذن فعملية التسجيل والمعالجة التي تليه تزيد طقطقات الفم سوءًا؟
نعم، هذا صحيح.
فالآن وقد عرفت الأمر مقدمًا، من المنطقي أن تحاول اجتثاث المشكلة من أصلها. فكل طقطقة فم تخرج منك عرَضًا تؤول إلى طقطقة أعلى كثيرا في التسجيل النهائي.
’’تستطيع حذف طقطقات الفم بعد التسجيل، لكنه أمر مزعج جدًّا وطويل -فالأفضل أن تتخلص من المشكلة عند المصدر!‘‘
حسنًا، هذا جميل، لكن كيف أضبط الأمر أثناء التسجيل؟
الخطوة الأولى – احرص على ترطيب جسمك ترطيبًا كافيًا قبل جلسة التسجيل
لماذا؟ كما قلت سابقًا:
نقص الترطيب = نقص الماء في الفم = اللعاب اللزج = طقطقات الفم.
لكن مشكلة الترطيب هي أن جسمك لا يقبل الماء إلا بمعدل محدود؛ فشربك لِتْرَيْ ماءٍ قبل جلسة التسجيل بعشر دقائق لن يُجْدِيَ شيئاً.
فجسمك لن يجد وقتاً كافياً لتوزيع هذا الماء توزيعاً متساوياًعلى الجسم والفم؛ فتكون نتيجة ذلك أن تجد في فمك ماءً أكثرَ مما تريد ؛ إذ إنك تشرب دائماً لتعوّض الجفاف؛ لكنك، مع الأسف، تظل جافّاً في أول الجلسة.
السر هنا أن تبدأ ترطيب جسمك قبل الجلسة بساعتين على الأقل. اشرب ما يكفي من الماء لترطيب جسمك ترطيبًا صحيحًا.
الماء – سر الحياة! (وسر التسجيلات الخالية من طقطقات الفم)
قال لي شاب أخيرًا في برنامج التوجيه الصوتي للنخبة الذي نقدمه إنه في حيرة من أمره، لأنه يشرب لتري شراب دائمًا لكن يظل جسمه جافًّا.
فتبين أنه يشرب لِتْرَيْ مشروب الكوكاكولا؛ وهو مدر للبول، فلا عجب أن يظل جسمه جافَّاً.
عندما نتكلم عن الترطيب نعني الماء، لا تحتاج إلا إلى الماء.
لا يقتصر أثر الترطيب الكافي على الأداء الخالي من طقطقات الفم، بل يمتد إلى حماية أحبالك الصوتية كذلك.
أحبالك الصوتية قطعتان من الغشاء المخاطي تهتزان وتحتكان معاً بسرعة عالية.
إذا انخفض مستوى المخاط (بسبب الجفاف) زاد الاحتكاك بين القطعتين فيلتهب حلقك، ويصير صوتك أعمق وأخشن.
لذا، تَجَنَّبْ مدراتِ البول -القهوة، والكافيين، والكوكاكولا، ومنتجات الألبان، والشاي، ومشروبات الطاقة، وغيرها- لا تشرب إلا الماء.
إذا كان عندك جلسة تصوير في الصباح الباكر، فمن المهم أن تبدأ ترطيب جسمك ليلة التسجيل لأننا نفقد كثيرًا من الماء في نومنا.
ودليل هذا أننا نحتاج إلى دخول الحمام دائمًا في الصباح. إذا كان عندك جلسة في الصباح الباكر وكان جسمك جافًّا، فغالبًا لن تجد وقتًا لترطيب جسمك ترطيبًا كاملًا قبل الجلسة. في مشاريعنا ذات النصوص الطويلة، نبدأ الساعة التاسعة صباحًا، لذا فترطيب الليلة السابقة أمر محفور في لاوعي جميع المعلقين الصوتيين الذين يعملون معي.
الخطوة الثانية – حدد موضعك وتوجيهك
المسافة بينك وبين الميكروفون وارتفاع توجيه صوتك عنصران أساسيان في معركتك لمكافحة أصوات الفم المزعجة.
تَأَمَّلْ معي المثال المتطرف لحالة صراخي بك من نحو عشرة أمتار، ستجد أن الفرق النسبي بين صوتي وصوت طقطقات فمي شاسع.
ولن تسمع طقطقات فمي أبداً..الأداء بصوت عالٍ لا يرفع أصوات الفم المزعجة لأن أصوات الفم المزعجة ليست إلا اللسان واللعاب والأسنان تَحْتَكُّ معاً.
على النقيض، إذا وضعتُ فمي بجانب أذنك وهمست فاحتمال سماعك طقطقات فمي أعلى كثيراً .
بغض النظر عن ارتفاع صوتك صراخًا أو انخفاضه همسًا، تظل أصوات الفم وطقطقاته عند نفس درجة الصوت دائمًا…
الموضع والتوجيه مرتبطان
يحدث الأمر نفسه أمام الميكروفون. علينا أن نتحكم في عائد (gain) المُدخل (أي مستوى التسجيل) حتى نسجل بمستوى جيد مناسب لا هو بالمنخفض جدا ولا بالعالي جدًا ولا بالمتقطع.
إذا كنت قريبًا من الميكروفون (نحو ثلاث بوصات أو سبعة سنتيمترات ونصف) وتهمس، فسيكون عليك أن ترفع عائد المُدخل حتى تسجل بدرجة صوت مناسبة.
وعليه فالحديث منخفض الصوت، ودرجة صوت أرضية الضوضاء وطقطقات الفم عالية نسبيا.
إذا كنت بعيدًا من الميكروفون (نحو 7-8 بوصات مثلًا، واستعمل مسطرة بدلًا من سؤال زوجك)
وترفع توجيه صوتك أعلى من الحديث العادي، فستحتاج إلى خفض عائد المُدخَل. لذا سيكون الحوار جيدًا وعاليًا وأرضية الضوضاء وطقطقات الفم خفيضة، نسبيًا.
فالمحصلة هنا هي – الابتعاد من الميكروفون وتوجيه صوتك أعلى = أصوات فم مزعجة أقل.
أحياناً، إذا أردت أن تسجل بأسلوب الاقتراب من الميكروفون واستعمال تأثير التضخيم بالاقتراب المعهود في الإعلانات التجارية – فعليك أن تتقبل أنك ستحتاج إلى مزيد من التحرير في معالجة ما بعد التسجيل، حتى تزيل طقطقات الفم- بهذه البساطة -لا تنسَ أنك نلت صوتاً جيداً غنياً عميقاً مناسباً للإعلانات- فلا تكن طماعاً، فلن تنال كل شيء!
الخطوة الثالثة – اشرب في الجلسات
أهذا هيو يطرق نافذة ركن التسجيل ليذكّرني بشرب الماء… مرة أخرى؟؟؟
نعم، أخشى أنه هو. الأمر أن أكثر المعلقين الصوتيين ينسون أنهم حين يتكلمون في جلسة تسجيل التعليق الصوتي يفقدون ماءًا.
فكلما زاد كلامك زاد استعمال أحبالك الصوتية، فَقَلَّ توازن لعابك والمخاط، فزاد احتمال ظهور الطقطقة.
’’من العادي جدا أن يدخل معلق صوتي ركن التسجيل خاليًا من الطقطقات، ثم يجد نفسه بعد خمس وأربعين دقيقة كأنه يأكل ترابًا.‘‘
لعلك تذكر أنني قلت: إن الجسم يتقبل الماء بمعدل محدود، وقد اتبعتَ تعليماتي ، والتزمتَ ترطيب جسمك قبل الجلسة؛ لكنِ الآنَ تفقد هذا الترطيب.
فعليك أن تستمر في شرب الماء في الجلسة.
هذه… علامة المحترف. لكم يسعدني أن أرى معلقا صوتيا يدخل جلسة التسجيل مسلّحًا بزجاجة ماء. وكم يحبطني ألا يفعل.
عُلْبَةُ المَاءِ تَحْفَظُ الأَحْبَالَا * وَكَذَا تُرْضِي مُخْرِجَ الصَّوْتِ بَالَا
لذا، فشرب الماء منتظمًا مهم جدًّا -عادة أجعل المعلق الصوتي الذي يعمل معي يشرب جرعة كل 10 أسطر إلى 15 سطرًا، أو نحو ذلك.
نعم، ستحتاج إلى الحمام في كل استراحة، لكن سيُعاد اختيارك للعمل لأن صوتك رائع.
إن لم تفعل هذا – خاصة في إستوديوهات هذه الأيام مكيفة الهواء – فستبدأ الطقطقات! لقد حذرتُك!
لكن تذكر:
- اشرب الماء
- حركه في فمك
- ابلع الماء بلعًا صحيحًا، وإلا ظهرت الطقطقات بسبب زيادة الماء في فمك!
الخطوة الرابعة -انس أسطورة التفاح الأخضر!
حسناً، أعرف أن الجميع يعرف أن أكل نصف تفاحة خضراء؛ تقريباً يوقف طقطقات الفم فوراً.
الحق أن هذا الأثر يكون من أي شيء فيه حَمض الموالح (Citric Acid) الحادّ، فهو ينظف فمك وينزح اللعاب اللزج الجاف.
لكنني هنا لأخبرك بالتالي:
- ليس أكل التفاح الأخضر لوقف الطقطقة إلا حلًّا مؤقتًا.فأثره لا يدوم أكثر من خمس دقائق أو عشر، قبل أن تعود الطقطقات.
- أكل تفاحة خضراء هو الحل والملجأ الأخير وحتمًا ليس بديلًا للخطوات الثلاث السابقة.
هل تريد عناوين؟ سأعطيك عناوين -ركز على الخطوات من 1 إلى 3 ولن تحتاج إلى التفاح الأخضر.
إلا إن كان جسمك شديد الجفاف من الليلة السابقة، وهو ما يحدث أحياناً، وقد لا تستطيع تجنبه.
فأنت إنسان على كل حال.
وفي هذه الحال…
أنت وشأنك.
اترك تعليقاً